
ممر داوود .. المشروع التوسعي الصهيوني حقيقة أم حلم؟
جريدة مصر المحروسة
ممر داوود .. المشروع التوسعي الصهيوني حقيقة أم حلم؟
كتب/ محمد عبد السلام جوده
يُشير “ممر داوود” إلى المشروع التوسعي الصهيوني بإنشاء ممر بري يبدأ من مرتفعات الجولان السورية المحتلة، ويمتد عبر جنوب سوريا وصولاً إلى نهر الفرات، بهدف ربط الكيان الصهيوني بالمناطق في شمال سوريا والعراق, ويهدف هذا المشروع إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية، منها فك العزلة الجغرافية، وتعزيز الحركة التجارية، والسيطرة على موارد طبيعية مهمة، بالإضافة إلى تعزيز النفوذ الإقليمي لـلكيان الصهيوني.
من الناحية التاريخية، تستند هذه الطموحات إلى مفهوم “إسرائيل الكبرى”، الذي يتطلع إلى توسيع حدود الكيان الصهيوني ليشمل الأراضي الواقعة بين نهري النيل والفرات.
بروز “لعنة العقد الثامن” كفكرة متجذرة في المعتقدات اليهودية، تشير إلى أن الدول اليهودية السابقة لم تتجاوز الثمانين عاماً في وجودها, هذا المفهوم أثار المخاوف بين قادة الكيان الصهيوني حول مستقبل الكيان الصهيوني مع اقترابه من العقد الثامن لتأسيسه.
حيث شهدت الأسابيع الأخيرة تحركات عسكرية سريعة للكيان الصهيوني على عدة جبهات، ما يعكس نواياه في تحقيق مشروع “ممر داوود” كجزء من رؤيته التوسعية, فمنذ إعلانه السيطرة على خمس نقاط استراتيجية في لبنان، إلى توغله داخل الأراضي السورية وتثبيت وجوده العسكري في الجولان والقنيطرة ودرعا، يتضح أن هذه التحركات ليست عشوائية، بل تأتي ضمن خطة ممنهجة تهدف إلى تحقيق تمدد جغرافي استراتيجي.
خرق القرار رقم 1701 الصادر عن مجلس الأمن الدولي عام 2006 أحد الركائز الأساسية التي كان يفترض أن تضمن وقف الأعمال العدائية بين إسرائيل وحزب الله، وتثبيت الاستقرار في جنوب لبنان, إلا أن إسرائيل ومن خلال سيطرتها على خمس نقاط عسكرية جديدة داخل الأراضي اللبنانية، وتحليق طائراتها التجسسية والحربية في لبنان وقصفها الأهداف المدنية وسقوط شهداء مدنيين أثبتت مرة أخرى عدم التزامها بهذا القرار، ما يُنذر بمواجهة جديدة في المستقبل القريب.
حصلت إسرائيل على الضوء الأخضر من الولايات المتحدة الأمريكية، التي لم تعارض التوسع الإسرائيلي والذي يتيح لإسرائيل فرض وقائع جديدة على الأرض، تجعل من انسحابها أمرًا غير وارد على الأقل في المستقبل القريب.
تصاعد القلق في لبنان بإن الجنوب اللبناني قد يكون الهدف التالي للكيان الصهيوني بعد سوريا، فهناك مخاوف في لبنان من مواجهة مباشرة, فأي تحرك غير مدروس من قبل المقاومة اللبنانية قد يعطي إسرائيل الذريعة التي تحتاجها لشن عمليات عسكرية واسعة في لبنان بحجة حماية أمنها.
السيطرة على الجولان وجبل الشيخ, السيطرة الصهيونية على جبل الشيخ، إلى جانب تعزيز وجوده في الجولان، خطوة إضافية لتعزيز نفوذه على الحدود الشمالية, فالانتقال من الدفاع إلى الهجوم في القنيطرة ودرعا يعكس تحولًا واضحًا في الاستراتيجية الصهيونية، التي لم تعد تكتفي بإدارة النزاع، بل تسعى إلى فرض واقع جديد يضمن لها سيطرة طويلة الأمد.
كذلك الوجود الصهيوني في هذه المناطق يرتبط بشكل وثيق بمشروع “ممر داوود” الذي يهدف إلى خلق ممر بري يمتد من الجولان إلى نهر الفرات، مرورًا بمناطق استراتيجية في جنوب سوريا والعراق, هذا المشروع يتطلب سيطرة عسكرية فعلية على الأرض، وهو ما يسعى إليه الكيان الصهيوني عبر تعزيز وجوده العسكري بشكل متسارع.
يُعتبر مشروع “ممر داوود” تهديداً لسيادة دول مثل سوريا والعراق، وقد يؤدي إلى تصعيد التوترات مع تركيا، التي ترى في هذه التحركات تهديداً لأمنها القومي.
إعلان التراجع عن الانسحاب من معبر فيلادلفيا يؤكد أن استراتيجية الكيان الصهيوني لا تقتصر على الجبهة الشمالية فقط، بل تمتد إلى الجنوب أيضًا, فإحكام السيطرة على هذا المعبر يعزز فرض الحصار على قطاع غزة، مما يهدف إلى تغيير الوقائع على الأرض, والسماح للكيان الصهيوني بالتصرف بحرية في الضفة تحت نظر الأمريكي الداعمٍ لسياسات التوسع الصهيونية، خصوصًا من خلال العمليات العسكرية في الضفة الغربية، والتي قد تكون خطوة نحو فرض واقع جديد يشبه سيناريو غزة، أي حصار خانق وشبه تدمير للبنية التحتية لفرض التهجير أو فرض ظروف حياة صعبة جدا على الفلسطينيين.
التحركات الأخيرة في جنوب لبنان وسوريا، إلى جانب التوسع في الضفة الغربية وغزة، تُظهر أن المشهد الإقليمي يتجه نحو مزيد من التعقيد, وبينما يتجلى مشروع “ممر داوود” كخطوة جديدة ضمن المخططات التوسعية، في ظل هذه التطورات، فإن المنطقة أمام مرحلة جديدة من التحديات التي تتطلب استجابة استراتيجية حكيمة توازن بين المصالح الوطنية والاستقرار الإقليمي.