
تراجع في قدرة إسرائيل على فرض إيقاعها على الساحة اللبنانية
يوسف حين يكتب-
في تطوّر لافت على الساحة اللبنانية–الإسرائيلية، كشفت مصادر أمنية إسرائيلية أنّ تل أبيب اضطرت، تحت ضغط مباشر من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلى إرسال مسؤول رفيع من مجلس الأمن القومي إلى الناقورة للقاء ممثلين لبنانيين، في خطوة هي الأولى من نوعها منذ عام 1991. هذا التحرك، كما تشير المعطيات، لم يكن تعبيرًا عن رغبة إسرائيلية في الانفتاح، بقدر ما كان انعكاسًا لتحذيرات أميركية حادة بأن الدعم السياسي والعسكري الأميركي ليس مضمونًا إذا اندفعت إسرائيل نحو حرب واسعة في لبنان.
وتؤكد زيارة المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس إلى تل أبيب هذا الأسبوع أنّ واشنطن لم تعد مستعدة لمنح شيك مفتوح لتصعيد عسكري جديد، خصوصًا أنّ تجارب السنوات الماضية أثبتت أنّ أي مواجهة واسعة ستشكّل عبئًا انتخابيًا وسياسيًا على الإدارة الأميركية. ومع ذلك، ورغم نبرة التحذير الأميركية، واصل المسؤولون الإسرائيليون الحديث عن «خيارات مفتوحة»، في وقت تشير التطورات الميدانية والسياسية إلى أنّ قدرتهم على ترجمة هذه التهديدات قد تراجعت.
لكنّ الأهم في المشهد اللبناني هو النتيجة العكسية تمامًا لهذه الضغوط المتراكمة. فبينما راهنت واشنطن وتل أبيب على أنّ تضييق الخناق الاقتصادي والسياسي والعسكري سيؤدي إلى تراجع الدعم الشعبي للمقاومة، جاءت الوقائع لتثبت العكس. فقد أظهرت الأزمات المتلاحقة، مقرونة بالغارات الإسرائيلية والتهديدات المستمرة، أنّ جزءًا واسعًا من الرأي العام اللبناني يعتبر المقاومة الجهة الأكثر قدرة على حماية السيادة والرد على الاعتداءات.
وقد أسهمت الضغوط الأميركية–الإسرائيلية في تعزيز قناعة اللبنانيين بأنّ الخيارات المطروحة على الدولة لا تراعي مصالحهم الوطنية، وأنّ القوى الدولية تتعامل مع لبنان كمساحة صراع لا كبلد ذي سيادة. وهذا الواقع، بدل أن يضعف المقاومة أو يعزلها، أدّى إلى تعاظم حضورها الشعبي وارتفاع مستوى الالتفاف حولها، خصوصًا في ظل غياب بدائل وطنية فعّالة قادرة على مواجهة التهديدات الإسرائيلية.
في المحصلة، تعكس اجتماعات الناقورة الاضطرارية وموجة التحذيرات الأميركية تراجعًا واضحًا في قدرة إسرائيل على فرض إيقاعها على الساحة اللبنانية. والأهم أنّ الضغوط الدولية والإقليمية التي هدفت إلى تقليص دور المقاومة، أدّت في الواقع إلى تقويتها وتعميق حضورها وتأثيرها داخل المجتمع اللبناني، في مشهد يعيد رسم توازنات الردع بين لبنان وإسرائيل بطريقة لم تكن واشنطن ولا تل أبيب تتوقعانها.





