من يرد الإعتبار للنشر المحلي

*من يرد الاعتبار للنشر المحلي؟!*
كتب /دكتور عاطف

معتمد أستاذ الجغرافيا، جامعة القاهرة
إذا قلت لأحد إنك نشرت بحثا جديدا في مجلة في الفيوم أو بني سويف أو حتى جامعة القاهرة ستلقى منه سخرية لا محال.
في المقابل سيستقبل الناس بحثك المنشور في مجلة دولية استقبال الفاتحين. هذا على الرغم من أن الجدة والأصالة والجهد والأمانة قد لا تكون متوفرة في المجلة الدولية بقدر ما يتوفر فيها “تكنيك” إعداد الأبحاث وحرفته ومهارته ورطانته وأساليب إعداده الإحصائية والرقمية والحاسوبية.

في السنوات الثلاث الماضية رصدت عدة مشاهد لعلها أجراس إنذار عن مدى الاستهانة والاستخفاف بالمجلات المحلية في مقابل الاحتفاء الأعمى بالنشر الدولي.

وقبل أن يعتقد بعض القراء أنني أكتب ذلك جراء تقصير مني في النشر الدولي أحب أن أوضح أنني – والحمد لله – أنشر على حد سواء في كل من دور النشر الدولية بمثل ما أنشر في المنيا والفيوم وبني سويف.

(المشهد الأول)
العام الماضي أعجبتني ورقة جديدة لأحد الزملاء من الجيل الأحدث عمرا، فاتصلت به أهنئه على البحث وعلى اللغة الإنجليزية الراقية المكتوب بها.
قال الزميل العزيز: أنت تعرف أن لغتي لا تسعفني في ذلك، ولقد استعنت بزميلي من دولة عربية شقيقة وضع اسمه معي على البحث.
قلت له ولكن اسم زميلك الذي معك هذا ليس مشهورا بيننا، حتى أنني لم أسمع به من قبل بين معشر الباحثين؟
أخبرني صديقي قائلا: : لقد دفع نيابة عنا نفقات المراجعة اللغوية وإعادة كتابة البحث بلغة أجنبية سليمة، مبلغ في حدود ألف دولار ..لم يكن متوفرا معنا للأسف !”.

(المشهد الثاني)
قابلت قبل عدة أشهر زميلا شابا واعدا يجهز لنشر بحث جديد، فقلت له “عفارم عليك ..برافو ..ماذا تنتظر ..ادفع به للناشر هنا أو هناك..هل تريد أن أرسل لك عنوان مجلة القاهرة أو المنيا أو بني سويف؟”
قال لي : لجان الترقية تريد مجلات دولية سأدفع به لدار نشر دولية وسيضع معي على البحث زميل من دولة ثرية سيتكفل بدفع في حدود ألفين دولار رسوم النشر في المجلة.

(المشهد الثالث)
سافرنا إلى الصحراء الشرقية، كان معنا زميل من جامعة مصرية نشر بحثا دوليا في مجلة مشهورة للغاية، وكان معه على نفس الورقة المنشورة عدد من الباحثين الأجانب والعرب. راقبته في الميدان، فوجدته مسكينا للغاية في فهم الطبيعة والمنطقة التي نشر عنها بحثا دوليا. أما زميله الذي نشر بحثه في مجلة محلية فكان يقودنا في الميدان بأحسن ما يكون.

(المشهد الرابع)
قابلت أستاذا في لجان الترقيات ممن يتحكمون في مصائر الأساتذة الشبان المتقدمين للترقية، كان يفتخر بأنه يحكم في الترقيات التي تتقدم فيها بحوث منشورة في كبريات المجلات الدولية. الطريف أن هذا الزميل كان قد نشر كل أوراقه البحثية قبل عشرين سنة في مجلات القاهرة وطنطا والإسكندية والمنوفية.

ما المطلوب إذن؟
لابد من رد الاعتبار للمجلات المحلية والإقليمية، بوضع شروط وضوابط قوية للتحكيم.
لقد فسدت كثير من المجلات المحلية بسبب المحسوبية واستسهال النشر وفوضى عارمة لا نظير لها في أي دولة متخلفة في العالم. وآن الآوان لرد هيبتها واسترداد قواعد النشر العلمي فيها.
ليس مهما فقط أن نجعل للمجلة هيئة تحكيم من أسماء لامعة، أو أن يكون لها موقع على الانترنت، أو ان تكون مكافأة التحكيم 500 جنيه بدلا من 100 جنيه.
يجب أن تكون هناك شروط حازمة في المراجعة والتحكيم ليتم نشر الأبحاث السليمة وتعاد هيبة النشر المحلي لأن الدولي في طريقه إلى التزييف والخداع.
سنخسر كثيرا إذا بقينا نهتم بالشكل دون المضمون.

صحيح أننا يمكن أن نقول إن كل باحث عنده أمانته والتزامه أمام الله وضميره، لكن الأمور لا تسير في تقدم البحوث بهذه المعايير فحسب، لابد من قوانين تنفذ على الجميع وإلا سنقول على التعليم ما بعد الجامعي “عليه العوض ومنه العوض”.

ومع ذلك، ما تزال هناك بارقة أمل، فكثير من المجلات الدولية ما تزال بخير، وبعض المجلات المحلية آخذة في الصعود من كبوتها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock