هي الإسكندرية شعب واحد ولا شعبين ؟

هي الإسكندرية شعب واحد ولا شعبين؟

كتب/ مهاب حسن

 

نجد ونحن نسير بشوارع الإسكندرية ان الناس عبارة عن شعبين منفصلين يسيران جنبا إلى جنب فى عالمين متوازيين.. لكنهما أبدأ لا يلتقيان.. الشعب الأول مكون من أناس سكندريبن أصليين يحملون ختم التاريخ والحضارة ويشعون ثقافة وفنا وأدبا وهؤلاء هم المنحدرون من عائلات سكندرية قديمة سواء كانت غنية, أرستقراطية أو حتى متوسطة الحال, أو فقيرة لكنهم يتفقون فى السمات والطبائع أو حتي طريقتهم في الكلام فهم يعشقون الهدوء ويتيهون حبا فى البحر أو الجزء المتبقى من كورنيشه ويقدرون الجمال فى العمارة القديمة وخاصة عمارات وسط البلد الفينسية التكوين .. ويشربون قهوتهم فى ديليس ويأكلون الايس الكريم الكاساتا فى تريانون ويعشقون طعم الكلو كلو الذى كان جروبى يبيعه مع بائعى الايس كريم الذين كانوا يجوبون الإسكندرية على البسكليته وأمامهم صندوق صغير به كنوز من الايس كريم ..هؤلاء الذين يشربون قهوتهم على مقاهى البحر أثناء سقوط الأمطار ويشعرون بالنشوة والسعادة خلف النوافذ التى تتساقط عليها قطرات المطر .. هذا الشعب هو الذى عاش مع اليونانيين و الإيطاليين والأرمن وجاورهم فى العمارات الانيقة ذات السلالم الرخامية وتعلم منهم بعض الكلمات الايطالية واليونانية ليتكلم بها مع ماريكا وانجل ويورغو و خريستو..هؤلاء من شربوا اللبن فى القنينات الزجاجية التى كان بائع اللبن يضعها أمام أبواب البيوت فى السابعة من صباح كل يوم ويحمل الزجاجات الفارغة..هذا الشعب هو من كان يعود إلى منزله فى الثامنة لتجلس الاسرة كلها معا لتناول العشاء وتقضى بعض الوقت معا قبل الخلود للنوم وفى اخر الاسبوع كانوا يلتقون فى جابى او سانتا لوتشيا او إيليت او حتى قهوه فاروق على البحر ..هؤلاء كانت متعتهم القراءة والتمتع بالبحر وإقامة العلاقات الاجتماعية والإنسانية..هؤلاء كانوا شعب الإسكندرية الاصليين والذين إنقرضوا أو فى طريقهم للإنقراض والاحتراق والحسرة على ضياع مدينتهم الجميلة ذات المبانى العتيقة والشوارع النظيفة ..هؤلاء من بقوا بعد مغادرة الخواجات المدينة ..هؤلاء من يتحسرون يوميا على ضياع الاناقة وذهاب الكورنيش الى اصحاب المقاهى والشيش وانهيار العمارات والفيلات القديمة وضياع ملامح محطة الرمل وشارع فؤاد والسلطان حسين ..وهؤلاء هم المتهمون انهم متعجرفون ..عنصريون وبورجوازيون .. أما الشعب الآخر فهم اللذين ملأوا شوارع المدينة ..هؤلاء القادمون من الصعيد وغيرها للعمل كمقاولين فى كار المعمار فبدلوا عمارة المدينة – بمساعدة الفاسدين فى المحليات – من فيلات ومبان لا يزيد ارتفاعها عن ٦ طوابق إلى عمارات قبيحة شاهقة يصل ارتفاعها إلى أكثر من ٢٠ دور حتى فى الشوارع الضيقة .. وقاموا بشراء الفيلات والقصور وهدموها ونشروا ثقافة القبح وبدلوا كل جميل إلى أشياء مادية ..عاونهم فى ذلك بعض القادمين من الارياف الذين زحفوا على المدينة كيأجوج ومأجوج بدون هدف أو عمل ..فتبدلت الوجوه وعلاها التجهم وإختفت الابتسامة وذهبت جملة نهارك سعيد الى غيابات الجب وظهرت مصطلحات جديدة غريبة لتلائم سائقوا الميكروباص وراكبوا التوك توك وإنتشرت العشوائيات وذهب الإحترام وإختلط الحابل بالنابل وأخذ هؤلاء يبحثون عن الربح السريع فإمتلأت الشوارع بالمقاهى التى تقدم الشيشة والتى تسهر طوال الليل والتى تصدر الازعاج وبات الشعب الاول فى حيرة من أمره ..أين ذهبت مدينتهم الجميلة ..الراقية..النظيفة .. هل رحلت مع من رحلوا من الأجانب؟ والمشكلة أن الشعب الآخر إذا حدثته عن الرقى والجمال والحفاظ على طابع المدينة ونظافتها ..نظر إليك بإستغراب وكأنك قادم من عالم أخر ثم يخرج ليقول أن الشعب الأول يتحدث بلغة متعاليه وانه عنصرى وأنه لا يحترم الصعايدة والفلاحين … مسكين الشعب الآخر فهو لم يتذوق الجمال وليس سكندريا أصيلا ليفهم ما نقول . هل هناك أمل أن تعود يوما ما الاسكندريه عروس البحر الابيض المتوسط؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock